الخرســـــــــانه المســـــــــــــلحه

الخرسانه المسلحه
هنا في ظل "سيفيوس" بالقرب من "نايبلز" اخترع الرومان الخرسانة المسلحة، وهي مادة كانت تشكل الطريق إلى فنهم المعماري التذكاري.

في هذا البرنامج سنزور "فرنسا" -إن شاء الله- لاستكشاف جسر "بلوجستال" الخرساني في "بريت"، وسنغوص في التصميم الرائع لمطار ومحطة قطارات "ليو"، لكن لنستكشف وصول الخرسانة المسلحة الرومانية علينا أن نبدأ من "إيطاليا" أولاً.

استخدمت الخرسانة بداية على يد المصريين واليونانيين، لكنها اكتشفت بالصدفة هنا على يد البنائين المحليين باستخدامهم التربة البركانية والتي أدت إلى تطور جديد. تُصنع الخرسانة بخلط الرمل والحصى مع مادة الإسمنت، لقد صنع البناءون الرومان الأوائل الإسمنت باستخدام الجير والرمل والماء بقليل من النجاح، لكن عبر الخليج وبالقرب من ميناء "بوزول" الروماني وجد البناءون أن خرسانتهم أقوى من أي خرسانة أخرى؛ السر هو استخدامهم الرمل البركاني لا رمل الشاطئ أو النهر مما سيشكل مادة أكثر قوة ويمكن صمودها تحت الماء.

في منتصف القرن الميلادي الأول أطلق على الإسمنت اسم "بوتسولانا" بعد أن أصبحت المدينة عنصرًا أساسيًا للبناء الروماني.

لم يكن الرومان خبراء بالكيمياء، لكن الرمل البركاني غير التفاعل الكيميائي في وضعية الإسمنت؛ وهذا ما أعطى خرسانتهم خصائصها المميزة، اكتشافهم الجديد كان خرسانة ذات قوة لم تُسبق، وبشرت بحقبة جديدة ومهدت الطريق لتشييد بعض أضخم الأبنية في الإمبراطورية الرومانية.

هذا هو المدرج في مدينة "بوتسولي" حيث اكتشف الإسمنت لأول مرة، بدأ بنائه في عهد "نيرون" وأنجز قبل توازن بركان جبل "سيفيوس" عام 79 للميلاد. صمد البناء طوال ألفي عام تقريبًا، ونحن هنا بسبب وجود بعض أفضل أعمال الخرسانة الرومانية المميزة، للمدرج شكل بيضاوي كبير طوله مائة وتسعة وأربعون مترًا وعرضه مائة وستة عشر مترًا، ويتسع لعشرين ألف مشاهد.

كان المدرج يُستخدم للقتال بين المجالدين والوحوش البرية المسجونة في غرف تحت الأرض، وتُرفع إلى المجالد عبر بوابات صغيرة في الأرض. للوهلة الأولى يبدو أن المدرج مبني بالكامل من القرميد والحجارة، لكن الأمر غير صحيح لأن القرميد ليس سوى واجهة.

هذه الجدران مصنوعة من الخرسانة وهي مكسوة بالآجر أو القرميد. كانت الخرسانة تُصنع من خليط لين وكثيف، يوضع يدويًا في مكانه، أما مهمة القرميد في الخارج والداخل فهي منع الخرسانة من السقوط وإعطائها ما يكفي من الدعم إلى أن تجف الخرسانة، وبتلك الطريقة يستطيعون إكمال بناء الجدار بشكل متواصل.

يعمل الإسمنت نتيجة لتفاعل البلورات بعد إضافة الماء إلى الخليط الجاف، وهكذا يلتصق بكل شيء يوضع فوقه، هذا شبيه بالسكر الذي يلتصق بعد أن يجف، وهو قادر على لصق ملعقة في صحن كما يحدث أمامنا.

مثل الإسمنت الحديث تمتص "البوتسولانا" الرومانية الماء خلال عملية التبلور هذه، وهذا سبب صمودها في الماء، تأتي الخرسانة بقوتها من الإسمنت وأيضًا من خليط الحجارة الممزوج بداخلها، هنا يمكننا رؤية الخرسانة مع بعض الحصى الكبيرة في داخلها.

إن الكميات المختلفة للرمال والحصى والحجارة تعني المزيج ككل، تأخذ الحصى الأصغر مكانها بسهولة بين الحصى الكبيرة، ويعمل الإسمنت على لصقها معًا، كما في الجدران والركائز أدرك الرومان إمكانية بناء جسور من خرسانتهم الجديدة. أصبح بناء القبب أقل كلفة وأكثر سهولة، ومهد الطريق لفن عمارة جديد، لبناء قنطرة كهذه توضع هياكل خشبية وتُصب الخرسانة فوقها، يجب أن تكون الهياكل قوية جدًا، لتتمكن من حمل وزن السقف ككل حتى تجف الخرسانة، أحيانًا إذا لم تكن الألواح الخشبية ناعمة فستخلف خطوطًا في السقف، وبالتالي تعكس مكان وجودها.

في أبنيتهم استخدم الرومان القرميد والحجارة والخرسانة معًا لأسباب تزيينية وبنائية ولأن للخرسانة القابلية على اتخاذ أي شكل نراها تستخدم عادة كحشوة للبناء خلف القرميد والأبنية الحجرية، لهذا لا يُعرف إلى أي مدى استخدم الرومان الخرسانة في أبنيتهم، ربما تكون الفائدة الكبرى للخرسانة على مواد أولية كالقرميد والحجر هي عدم الحاجة إلا إلى إحضار مواد الخرسانة إلى الموقع وخلطها بالماء كما في جميع الأبنية بما فيها الحديثة.